الأحد، 19 فبراير 2012

الخطر الإسرائيلي

إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهي تريد ان تبقى كذلك مهما كلفها ذلك، وبخاصة مهما كلف ذلك الآخرين.

هذه حقيقة خطيرة للغاية،
وقد تكون، بل الأحرى إنها بالفعل اخطر من «كامب ديفيد»، والأحرى ان نقول إن أخطر ما في كامب ديفيد، انها لم تتضمن تعهداً او التزاماً من جانب إسرائيل بعدم استخدام سلاحها النووي. ولا احد يعرف لماذا لم يحاول السادات الحصول على مثل هذا التعهد عندما ذهب الى إسرائيل عارضاً السلام عليها بشروطها، وبعض من شروط مصر في ذلك الوقت. كان الخطر النووي الإسرائيلي موجودا وماثلا وبكل خطورته، ومع ذلك فإن الوطن العربي اختار ان ينساه وأن يتناساه مكتفياً بمحاولات غير مجدية لإثارة امتلاك إسرائيل للسلاح النووي في المنظمة الدولية التي يعرقلها تأييد أمريكا للسلاح النووي الإسرائيلي بلا حدود او قيود.


اما لماذا نثير هذا الموضوع الآن، وهو موضوع محكوم عليه بأن يبقى مدفوناً، فلأن تهديدات إسرائيل بشن هجوم على إيران بلغت في الايام الاخيرة ذروة لم تبلغها من قبل، وبدا تغاضي أمريكا عن هذه التهديدات في أحط أشكاله ومستوياته. والامر المؤكد ان إسرائيل لا تتحفظ على اي شيء إيراني الى حد التهديد بالحرب، الا على ما تزعمه من ان إيران بصدد الانتقال الى العصر النووي، الامر الذي يقضي على تفرد إسرائيل في المنطقة بامتلاك السلاح النووي.

ولعل من الضروري ان نتذكر في الظروف الراهنة ان إسرائيل لم تنزعج من فكرة ان يوجد في الشرق الأوسط سلاح نووي غير ذلك الذي تملكه، عندما فكر صديقها الموثوق به شاه إيران في منتصف السبعينيات في امتلاك سلاح نووي. اما وقد اصبح خطر فقدانها التفرد بهذا السلاح في المنطقة متمثلا في دولة تناصبها العداء وتقف في صف العرب ضد مشاريعها التوسعية، فإن الامر يبدو مختلفاً تماماً.

وإذا تساءلنا اذا كانت إسرائيل مستعدة للوصول الى حد استخدام سلاحها النووي ضد احتمال ان تكون إيران قريبة من الوصول الى هذا الهدف، فليست هناك إجابة صحيحة على هذا التساؤل إلا بنعم. إن إسرائيل مستعدة لاستخدام سلاحها النووي ضد مشروع إيران النووي ولن تتردد في ذلك اذا قدّرت - هي وليس غيرها- ان هذا المشروع ربما يخلق في الشرق الأوسط توازناً نووياً يستحيل معه ان يصبح بالإمكان استخدام هذا السلاح من جانب اي طرف. توازن نووي شبيه بما بين الهند وباكستان الآن او بين أمريكا وروسيا الذي كان قائماً بين أمريكا والاتحاد السوفياتي قبل ذلك.

باختصار وبصراحة فإن حرباً إسرائيلية ضد إيران يمكن ان تكون حرباً نووية أو ان تتحول الى هجوم نووي إسرائيلي في اي لحظة.

لماذا؟

هناك عدة اسباب:

اولاً: إن إسرائيل تتصور او تقدّر ان ضربة نووية لهدف عسكري او صناعي إيراني يمكن بل لا بد ان يكون له تأثير قنبلة هيروشيما الأمريكية على اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. وهذا تصور او تقدير مخالف للحقيقة الفعلية، لأن ضرب هدف إيراني الآن بسلاح نووي إسرائيلي يأتي في وقت تحتفظ فيه إيران بكامل قوتها العسكرية فيما وراء هذا الهدف. انها بداية حرب إسرائيلية- إيرانية لا نهايتها.

ثانياً: إن إسرائيل لا تستهدف إيران وحدها اذا هي اقدمت على شن هجوم نووي على اهداف إيرانية. إنها تستهدف بالضرورة الحالية والتاريخية الوطن العربي طولاً وعرضاً. والهدف هنا هو تقويض معنويات الوطن العربي وتأييده لقضية فلسطين والارض المحتلة.

ثالثاً: إن إسرائيل تستهدف بشكل خاص كلا من حزب الله وحماس باعتبارهما القوتان المقاومتان لقوة إسرائيل العسكرية، وهنا فإن استخدام السلاح النووي يقصد به إخافة الجماهير العربية التي تشكل السند الحقيقي والمعنوي للمقاومة الفلسطينية وفقاً لتقديرات إسرائيل لما يمكن ان يحدثه استخدام سلاحها النووي كقوة رادعة مطلقة.

رابعاً: إن إسرائيل، إما ان تكون قد وصلت الى نقطة إقناع الولايات المتحدة بشل قدرة إيران العسكرية عن طريق استخدام السلاح النووي ضدها، او تكون إسرائيل قد قررت ان تضع الولايات المتحدة امام امر واقع باستخدام السلاح النووي ضد إيران، فلا تملك الولايات المتحدة ان تعترض بعد ان يكون ذلك قد تم بالفعل، وخاصة اذا حقق - كما تظن- الهدف الأوسع منه.

خامساً: إن إسرائيل قد كونت قناعة إستراتيجية بأن الفرق من الناحية السياسية ليس كبيراً بين التهديد باستخدام السلاح النووي واستخدامه فعلاً في الدفاع عن نفسها ضد خطر يهدد وجودها من اساسه، وهو الخطر النووي الإيراني المزعوم. وقد ساعدت الولايات المتحدة في علاقتها بإسرائيل التي تنطوي على تأييد غير مشروط - أمريكي نحو إسرائيل- يترك لها حرية الاختيار بين ان يكون وجود سلاحها النووي بحد ذاته تهديداً جدياً وقوياً وأن يكون استخدام هذا السلاح ضرورة لا مفر منها.

سادساً: إن إسرائيل تستشعر خطراً جسيماً من وراء ثورات الربيع العربي والنهايات التي يمكن ان تذهب هذه الثورات نحوها فيما يتعلق بإسرائيل ومطامعها التوسعية في المنطقة. إن إسرائيل تعرف جيداً أن أياً من هذه الثورات لا يملك ضمانة واحدة بالانتصار اذا كان له موقف استسلامي تجاه إسرائيل. لهذا فإن الوقت حاسم لإسرائيل لكي تظهر قدرتها على سحق القوى العربية والعمل من أجل إعلاء قرار إسرائيل على اي ثورة يمكن ان تقود في المنطقة باتجاه محاصرة إسرائيل في حدودها الدولية المعترف بها.

سابعاً: إن إسرائيل تجد نفسها اليوم عند مفترق طرق بين ان تختار التخلي عن أطماعها التوسعية الموثقة تاريخياً، على الأقل، وبين ان تخلق الظروف التي تلائم هذه الاطماع والتي تبدو، في الفترة الاخيرة، مواتية وموافقة للأهداف الأمريكية في السعي الجاد الى تفكيك الوطن العربي الى دويلات طائفية صغيرة تتخلى واحدة تلو الاخرى عن اية اهداف قومية واسعة.

لقد اطلق بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الحالي تصريحاً لعله اخطر تصريح من نوعه عن نوايا إسرائيل من دون التطرق مباشرة الى هذه النوايا. لقد قال بعبارات واضحة إن إسرائيل تنتهج الآن إستراتيجية ان تكون قاتلة او مقتولة. هذا كلام مطلق يعني أن إسرائيل لا ترى اي احتمال في الوضع الراهن لأن تتخلى عن اهدافها البعيدة، فهي لا ترى ابدا امكانية لان تعيش دون ان تكون قاتلة او مقتولة. وعادة ما تلجأ الدول الى صيغة «اما...او...» عندما تقرر أن تلجأ الى أخطر اسلحتها لقتل من يعاديها حتى لا تكون هي القتيلة. ولقد عرفنا منذ سنوات طويلة - منذ تأسيس دولة إسرائيل- أن إسرائيل الحالية، حتى وهي تحتل مساحات كبيرة من الارض العربية، ليست إسرائيل النهائية وأن المشروع الإسرائيلي لدولة صهيونية ينطوي على توسعات تتجاوز الحدود الراهنة بكثير. بل ان صورة المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل سياسياً وإستراتيجياً لا تحتمل وجود نوايا او حتى أحلام عربية تتعلق بالتحرير او الوحدة. ومن المؤكد ان هذه النوايا او الاحلام قد عادت الى الظهور في ظروف الثورة الحالية، وأن الثورات العربية ترتبط بالتحرير والوحدة ولا ترتبط بالسلام مع إسرائيل، خاصة إسرائيل الصهيونية التوسعية.

ثامناً: في الظروف الراهنة تظهر بوادر وحدة في الرؤى السياسية بين الوطن العربي والعالم الإسلامي لم تكن بادية من قبل. لم تكن بادية قبل وجود الجمهورية الإسلامية الإيرانية وصعود دورها الاقليمي الواسع، ولم تكن بادية قبل صعود تركيا الحالي الى مرتبة القوة الاقليمية المؤثرة. كما ان هذه البوادر لم تكن مسلحة نووياً كما هي حال باكستان. وعند هذه النقطة لا بد ان نلاحظ ان خطط إسرائيل التوسعية التي تتحدث عن تفكيك وتفتيت البلدان العربية الى كيانات طائفية صغيرة وضعيفة، تذكر «العالمين العربي والإسلامي» معاً وليس الوطن العربي وحده.

يقول اوديد يينون، الذي حرر «إستراتيجية لإسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين»: «إن العالم العربي الإسلامي ليس مشكلة إستراتيجية رئيسية سنواجهها في الثمانينيات، على الرغم من حقيقة ان هذا العالم يحمل التهديد الرئيسي ضد إسرائيل، نظراً لنمو قوته العسكرية. إن هذا العالم بأقلياته العرقية وجزئياته وأزماته الداخلية التي تدمر ذاتها بصورة تدعو للدهشة... في إيران غير العربية والآن ايضاً في سوريا، هو عالم غير قادر على التعاطي بنجاح مع مشكلاته الرئيسية ولهذا لا يشكل خطراً حقيقياً ضد دولة إسرائيل في المدى البعيد، إنما يشكله فقط في المدى القصير حيث تملك قوته العسكرية المباشرة اهميتها. ويضيف: «إن كل دولة عربية مسلمة تواجه اليوم دماراً اجتماعياً عرقياً من داخلها، وفي بعض هذه الدول فإن حرباً أهلية تدور بالفعل».

لقد حرر الإسرائيلي يينون هذه الوثيقة بالعبرية عام 1980 وترجمها عن العبرية الى الانكليزية داعية حقوق الانسان الإسرائيلي المؤيد للقضية الفلسطينية إسرائيل شاحاك عام 1982 ونشرتها رابطة متخرجي الجامعات الأمريكية العرب في بلمونت بولاية ماساتشويتس الأمريكية حيث كانت قد عقدت مؤتمرها الاول.

وكثير مما كتب في هذه الوثيقة الإسرائيلية يوحي بأنها كتبت في الظروف العربية الإسلامية الراهنة، ولكنها في حقيقة الامر كتبت في بداية الثمانينيات وتعبر بكل وضوح عمّا ترمي اليه إسرائيل من توسع في الارض العربية وما ترمي اليه من تفتيت بلدان عربية معينة - خاصة العراق وسوريا وبلدان المغرب العربي- الى وحدات عرقية وطائفية صغيرة لا قبل لها بمواجهة قوة إسرائيل.

ان الخطر النووي الإسرائيلي موجه اليوم صوب إيران ولكنه لا يقصد إيران وحدها انما يقصد اخضاع المنطقة العربية المسلمة بأكملها لقبول خطط إسرائيل المدعومة أمريكياً.

مع ذلك فإن ارتكاب إسرائيل لهذه الجريمة، اذا وقعت، سينطوي على اخطاء وأخطار جسيمة تقع على عاتق إسرائيل نفسها، ولكنه سيحيط منطقة الشرق الأوسط بحريق هائل يغير ملامحها وتكوينها نفسه.
تنبيه : المرجوا عدم نسخ الموضوع بدون ذكر مصدره المرفق بالرابط المباشر للموضوع الأصلي وإسم المدونة وشكرا

هل اعجبك هذا الموضوع ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).

جميع المواد الواردة في هذا الموقع حقوقها محفوظة لذى ناشريها ،ممنوع النقل بدون تصريح أو ذكر للمصدر . Privacy-Policy | إتفاقية الإستخدام

إن جميع المواد الموجودة في الموقع تعبر عن آراء كتابها ولاتعبر عن رأي الموقع لذلك لايتحمل الموقع أي مسؤوليات تجاهها

هذا قالب المهندس عبدالرحمن احمد وهذه حقوق ملكية فكرية