العالمية - تقارير
كان شهر يونيو من 2007 فاصلاً فى تاريخ إسرائيل، بعدما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة، مما دفع إسرائيل للقول بأن الإجراءت الأمنية المصرية على الحدود غير مناسبة.. ومع قيام إسرائيل أكثر من مرة بعمليات قذف عشوائى لحدود مصر، وسقوط شهداء مصريين، يصبح مستقبل العلاقة بين الدولتين مظلمًا وينذر بتصاعد العداء.
ومن منطلق قناعة إسرائيلية "مزعومة" بأن مصر لا تستيطع تأمين حدوها مع إسرائيل، تأتى تصريحاتها المتكررة بأن الإجراءت الأمنية المصرية على طول محور فيلاديفيا غير مناسبة، باعتبار أنها تسمح بتهريب الأسلحة المتطورة إلى غزة، وتهديد الأمن القومى الإسرائيلى، لنجدها دائمًا تعبر عن قلقها مراراً وتكراراً إزاء الوضع الأمني على الحدود بين مصر وقطاع غزة، خاصة مع قيامها بتفكيك مستوطناتها وسحبت قواتها من القطاع في أغسطس 2005.
وقتها رأت السلطات المصرية أن إسرائيل تبالغ في الخطر الذي يهددها جراء الأسلحة المهربة، بل إنها تمادت وعملت على الإضرار بالعلاقات المصرية ـ الأمريكية بطلبها من واشنطن ربط جزء من المساعدات السنوية لمصر والتي تقدر قيمتها بنحو 1.3 مليار دولار بالخطوات التي تتخذها مصر للقضاء على شبكات التهريب والأنفاق التي تربط بين مصر وغزة.
بدأت منذ هذه الحين شبه توترات فى تل أبيب جراء ما ادعته بأن مصر تهاونت مع الفلسطينيين وسمحت بتهريب أسلحة عبر الأنفاق لاستخدامها فى المقاومة الفلسطينية، الأمر الذى نفته القاهرة نفياً قاطعاً، لكن تل أبيب تمادت فى اتهاماتها لمصر، ومن وقتها وتحديداً فى السنوات الأخيرة، بدأت السلطات الإسرائيلية تزيد من مزاعمها بأن غالبية الأسلحة الموجودة فى قطاع غزة مصدرها مصر.
وفى دراسة نشرها مؤخراً مكتب أبحاث الكونجرس الأمريكى، وأعدها الباحث المتخصص فى شئون الشرق الأوسط جيرمى شارب حول العلاقات المصرية الإسرائيلية، أزيح الستار عن أن مدينة مدينة رفح الحدودية تم تقسيمها طبقاً لمعاهدة السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل عام 1979، حيث ألحقت الاتفاقية الجزء ذو الكثافة السكانية العالية من المدينة بقطاع غزة الذي احتلته إسرائيل لاحقاً، بينما تم وضع الجزء الآخر الأصغر من المدينة تحت السيادة المصرية.
في عام 1982 طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "آرييل شارون" السلطات المصرية بإجراء تعديل على الحدود الدولية لمصر مع إسرائيل على نحو يجعل مدينة رفح كلها تحت السيطرة الإسرائيلية، حيث حذر "شارون" من أن تقسيم رفح من شأنه أن يجعلها منبع لانتشار الإرهاب وتهريب الأسلحة، ولكن السلطات المصرية رفضت مطالبة جملة وتفصيلاً.
تطرقت الدراسة الأمريكية إلى أن سكان مدينة رفح لجأوا فى الأونة الأخيرة إلى حفر الخنادق تحت الأرض باعتبارها وسيلة للاتصال والحفاظ على أواصر العلاقات بين كل أفراد العائلات الممتدة بين غزة ومصر، واستغل المهربون هذه الأنفاق في أغراض اقتصادية تدر لهم أرباح كبيرة من خلال إعادة بيع الجازولين المصري المدعم بأسعار عالية، وكان من بين أهداف المهربين أيضاً الحصول على بضائع مثل السجائر والمخدرات و الذهب وقطع غيار السيارات.
لكن مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 بدأت إسرائيل تدرك بشكل كبير الخطر الأمني الذي تمثله أنفاق التهريب، فبعد سلسلة الهجمات التي شنها الفلسطينيون عبر الحدود بين مصر وغزة خلال أواخر العقد الثامن من القرن الماضي وأوائل العقد الأخير من ذات القرن أدركت الدولة العبرية أن الميليشيات الفلسطينية كانت تستخدم الأنفاق لتهريب الأسلحة والمقاتلين إلى قطاع غزة. وحتى عندما تأسست السلطة الفلسطينية عام 1994 وفقاً لاتفاقية أوسلو انتاب الحكومة الإسرائيلية شعور بالقلق من تواطؤ قوات الأمن التابعة للسلطة مع عمليات التهريب.
وقبل الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة، نفذت القوات الإسرائيلية سلسلة عمليات لمنع تدفق الأسلحة، وكان من أبرزها عملية "قوس قزح" في عام 2004 والتي شنتها إسرائيل بعد مقتل 11 من جنودها، وهدفت إلى إيجاد منطقة آمنة بجوار محور فيلادليفيا، وحماية القوات الإسرائيلية، وبالإضافة إلى هذا وذاك منع الفلسطينيين من حفر الأنفاق تحت الأرض. وأدت هذه العملية إلى تدمير العديد من المنازل التي يشتبه في وجود أنفاق مخبأة تحتها، فضلاً عن مقتل العديد من المسلحين الفلسطينيين.
وبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في أغسطس 2005، شرعت الحكومة الإسرائيلية في الدخول في مفاوضات مع نظيرتها في القاهرة من أجل التوصل إلى ترتيبات أمنية جديدة تؤمن الجزء الواقع من مدينة رفح تحت السيطرة المصرية، وبالفعل أثمرت المحادثات عن نشر 750 جنديا مصريا لتأمين محور فيلادليفيا.
تعددت الاتهامات من الجانب الإسرائيلى - على لسان عدد من مسئولي الاستخبارات الإسرائيلية- على مصر بشأن عمليات التهريب التي تتم عبر الأنفاق. وتجلى هذا في العديد من التصريحات الصادرة عن المسئولين في تل أبيب، التى بدأت في سبتمبر 2006 حيث قال مدير جهاز الاستخبارات الداخلي "يوفال ديسكن"، إن المصريين يعرفون من هم هؤلاء المهربين ولكنهم لم يتصدوا لهم، كما تسلمت القاهرة تقريرا استخباراتيا من إسرائيل لكنها لم تستفيد منه.
فى الوقت ذاته، اتهم عضو حزب الليكود المعارض والرئيس السابق للجنة الدفاع والشئون الخارجية بالكنيست "يوفال ستنيتز" مصر بالسماح لحماس بالحصول على 120 ألف بندقية و6 آلاف صاروخ مضاد للدبابات و100 طن متفجرات والعديد من صواريخ الكاتيوشا والقذائف المضادة للطائرات. وفي نوفمبر 2007 طالب "ستنيتز" أعضاء الكونجرس بدعم مقترح يقضي بتجميد جزء من المساعدات العسكرية لمصر.
كما ساهمت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية فى تأجيج الموقف بين إسرائيل وأمريكا من ناحية، ومصر من ناحية أخرى، عندما نشرت تقريراً عن أن مسئولين إسرائيليين أرسلوا للإدارة الأمريكية شرائط فيديو تظهر أن قوات حرس الحدود المصرية لا تتجاهل فقط عمليات التهريب، بل تدعم أيضًا المهربين وتساعدهم.
لم تقف القاهرة مكتوفة الأيدى أمام المزاعم الإسرائيلية، خصوصا عندما حذر أحمد أبو الغيط وزير الخارجية فى نظام مبارك، إسرائيل من أنه في حال استمرارها في التأثير سلباً على العلاقات المصرية ـ الأمريكية ومن ثم على مصالح مصر بصفة عامة، فإن بلاده مصر القاهرة ستعمل هي الأخرى على إحداث ضرر بالمصالح الإسرائيلية.
بعدها ساهمت زيارة وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك للقاهرة، فى انخفاض حدة التوترات بين البلدين، وتأكيده أهمية السلام مع مصر، ثم خرج رئيس الوزراء إيهود أولمرت بتصريحات متساوية مع تصريحات وزير الدفاع بحكومته، مؤكداً رغبة إسرائيل في الحفاظ على اتفاقية السلام مع القاهرة برغم كل الصعوبات التي تشهدها علاقات البلدين.
أخيرا وتحديداً عقب اندلاع ثورة 25 يناير، التى أسقطت نظام مبارك، الذى وصفته تل أبيب بأنه كان حليفاً لإسرائيل، تسبب تفجير خط الغاز الواصل لإسرئيل نحو أربع مرات متتالية إلى غضب عارم من جانب تل أبيب، خصوصا أنها ترى من جانبها أن مصر ترفض تأمين خط الغاز من أى محاولات لتفجيره، وهو مانفته القاهرة، لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية ساهمت فى تأجيج الموقف الإسرائيلى تجاه مصر، الأمر الذى بسببه ترددت أنباء عن قيام تل أبيب برفع دعوى تحكيم دولى على مصر بسبب تكرار تفجير خط الغاز، وتملص مصر من العقد المبرم بينها وبين الحكومة المصرية بشأن تصدير الغاز إليها.
إلى ماسبق، جاء تفجير الحافلة الإسرائيلة فى إيلات ليؤجج الموقف أكثر وأكثر، ومعه تصاعدت التوترات بين الجانبين خصوصا مع إقدام العسكرية الإسرائيلية بقذف عشوائى لحدود مصر معها، الأمر الذى تسبب فى استشهاد عدد من الجنود المصريين ليصبح مستقبل العلاقة بين الدولتين غامضاً خصوصا فى ظل قناعة إسرائيلية "مزعومة" بأن مصر لاتستطيع تأمين حدوها مع إسرائيل، لينتظر الجميع خفايا ماستسفر عنه الأيام المقبلة فى العلاقة بين القاهرة وتل أبيب بشأن السلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق