مرة اخرى يطرح الدكتور أبو مطر السؤال الخطأ، بسكوته عن الخطر الإسرائيلي الواقع والمستمر بالفعل والدم والتوسع والهدم وتهويد القدس، وبتركيزه على الخطر الإيراني المحتمل باستحياءه لخلاف حدودي قديم من مايقرب من قرن!، وذلك في الدعوة التي وجهها في مقاله الأخير:" تضامنا مع الشعب العربي الأحوازي" حيث دعا لمناقشة مقاله، في دعوة وجهها للـ "المتفرسين أكثر من الفرس". في دعوته تلك تكمن متناقضة منطقية تخرج به ككاتب عن دائرة الحوار العقلاني، فهو قد حكم مسبقا على تحيز محاوريه أو مخالفيه في الرأي باتهامهم بالتفرس!، وبالتالي أسقط احتمال حيادية رأيهم، وبالتالي يثبت مقدما عدم صواب ذلك الرأي منطقيا، وأخلاقيا أيضا، من قبل حتى أن يبدأ الحوار. وإذا ما تجاوزنا عدم منطقية الدعوة، ودعك من أنها تخص السؤال الخطأ في الزمن الصحيح، فيمكن قبولها من حيث المضمون بغض النظر عن شكلها، حيث أنه ليس لنا من قبل ومن بعد إلا الحوار وسيلة للتفاهم، وهو الفعل العقلاني الذي ينقلنا من مستنقع التخلف إلى طريق التقدم، وسأتنازل عن حقي في المعاملة بالمثل ولن أحكم عليه مسبقا بأي حكم، حتى ولو كان لدى من القناعات المنطقية والثبوتية مما سبق في مقالاته، ما يعينني على ذلك.
دور المثقف العربي
بداية أقول بأن دعوة كاتبنا تحمل في طياتها تفعيلا لدور المثقف العربي – وهو اتجاه محمود لكاتبنا - في استبصار قضايانا العربية، وهي أكثر من الهَّم على القلب كما يقول المثل المصري، وهنا قد يكون من المفيد أن نتعرف سويا على الرأي الأكاديمي في تحديد وتعريف من هو ذلك المثقف وما هو دوره. يقرر إدوارد سعيد المفكر الأمريكي الفلسطيني في كتابه عن "المثقف والسلطة":
" إن المثقف تحاصره دائما، وتتحداه بلا هوادة، مشكلة الولاء، فكل منا بلا استثناء، ينتمي إلى لون ما من الجماعات القومية أو العرقية أوالدينية. ومن المحال على أي أحد، مهما يبلغ حدة احتجاجه أو إنكاره، أن يقول أنه ارتفع فوق الروابط الحيوية (العضوية) التي تربط الفرد بالأسرة وبالمجتمع، وبطبيعة الحال، بالقومية كذلك."
كما يقرر نعوم تشومسكي عالم اللغويات والمفكر الأمريكي في كتابه " اللغة والمسئولية":
" إن التصورات الأيديولوجية تميل إلى استحضار الحقائق ومحاولة تفسيرها في الإطار الذي يتطابق مع متطلبات أيديولوجية معينة، لكي تصبح فاعلة في إحداث تأثيرات، هذا إن لم نفعل شيئا ضدها"
وأيضا يقول تشومسكي في كتابه " ما نقوله نحن يمشي What we say goes":
" إذا ألقيت نظرة على الدراسة التي نشرها مؤخرا (مارس 2006) جون ميرشمير وستيفن والت حول اللوبي الإسرائيلي، تجد أنهما يعرفانه بأنه تلك القطاعات التي تسعى للتحكم بالرأي وبالمواقف بغية انتزاع التأييد للسياسات الإسرائيلية بما في ذلك الاعتداءات والأعمال الوحشية التي ترتكبها وما إليها."
الخداع الإعلامي
مع ملاحظة أن تشومسكي اليهودي يرى حتى أن هذا التعريف يقلل من شأن قوة اللوبي الصهيوني وتأثيرة المتحيز على السياسة والرأي العام الأمريكي لصالح إسرائيل، فالعبرة هنا هي أن التحكم بالرأي عن طريق الإعلام هو مجال استراتيجي للمشروع الصهيو – غربي للهيمنة في "إمبريالية غير رسمية تنتهج استراتيجية أكثر التواء وتعقيدا، تنتهج السماح لدول الأطراف بالاستقلال السياسي مع التبعية الاقتصادية"،كما يقرر بيتر تيلور في فصل جغرافية الإمبريالية من كتابه: الجغرافيا السياسية. أي أنه ليس من المستبعد أن يكون بعض المثقفين العرب قد تأثروا بدرجة أو بأخرى بنتائج تلك الاستراتيجية الإعلامية الصهيو- غربية التي تستعين بكبار إعلام المثقفين والأكاديميين ومراكز البحث Think Tanks الغربية في التيار العام المساند لمشروع الهيمنة. يتسائل نعوم تشومسكي في فصل "إطار لأفكار قابلة للتصور" من كتابه " مانقوله نحن يمشي":
" ...في محطة "السي إن إن CNN" المعلق غلين بك صرح بأن " إيران تشكل خطرا عالميا كبيرا كما لم نشهده منذ النازيين" فلماذا يُعاد تدوير هذه القصة على هذا النحو المتواتر؟ ولماذا يُخدع الناس بها على مايبدو؟."
ولا أعتقد أن هناك مبالغة إذن في أن نطرح نفس التساؤل بشأن إصرار كاتبنا الدكتور أبو مطر على إعادة تدوير نفس القصة عن الاحتلال الإيراني لأرض عربيةٌ، في وقت لاتزال تفوح فيه روائح اللحم الفلسطيني المشوى في غزة بقنابل الفوسفور الصهيونية، وتتصاعد فيه عمليات تهويد القدس. وقياسا على تساؤل نعوم تشومسكي وليس نقدا: من يريد أن يخدع كاتبنا أبو مطر بالضبط؟ إذا كانت آلة الإعلام في الغرب قد نجحت في خداع المواطن الأمريكي والغربي عموما وتخويفه من الخطر الإيراني على الغرب، وبطبيعة الحال وبالدرجة الأولى على إسرائيل، فإن خداع المواطن العربي عموما لا يبدو بهذه السهولة.
صحوة العقل بعد القتل
بعد افتضاح كذب تلك الآلة الإعلامية في دعم بوش وبلير لتبرير غزو العراق، وتيقن الذين انجرفوا في تيار التنويم المغناطيسي الإعلامي قبل وأثناء غزو العراق وصدقوا حقا أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، وصدقوا فعلا أن أمريكا أتت لتحرير الكويت والخليج من الخطر العراقي، وتحرير المواطن العراقي من آلة التقتيل البعثية، وهي أمور لاخلاف عليها، ولكنها ليست أبدا الهدف الصهيو – غربي، تيقن هؤلاء المخدوعون عندما قتلت القوات الأمريكية الغربية المحتلة فى سنوات قليلة من العراقيين ما يفوق عدد من قتلهم صدام، بنسب النساء 65% والأطفال بنسبة قريبة منها، وعندما رأو بأعينهم محرقة الفالوجة المقاومة، وعندما اتضحت لا إنسانية تلك القوات في أبو غريب، وعلى التوازي في فلسطين المحتلة: عندما زادت المجازر الإسرائيلية في الضفة (جنين) وغزة 2009، بعد إعلان رؤية بوش الإبن للدولة الفلسطينية، وعندما اختتم ولايته بتدشين إسرائيل دولة يهودية على أرض فلسطين المغتصبة، عندها تيقن الغافلون من حقيقة حجم المكافأة التي نالها العرب والفلسطينيون على نجاح أمريكا في إنهاء احتلال العراق للكويت: إحتلال أمريكي للعراق وأفغانسان وقتلى برقم مليوني ومهجرين كذلك، وتدمير إسرائيلي للبنان الصامد في 2006، وحرق غزة العنيدة في 2009، والمزيد من الاستيطان في الضفة الغربية والمزيد من الإصرار على إلغاء الحق الإنساني لللاجئين الفلسطينين في العودة لوطنهم، بل والتهديد بطرد فلسطينيي 1948 من الدولة الإسرائيلية بعد اغتصاب وطنهم، وأخيرا المزيد من تهويد للقدس وهدم بيوت الفلسطينيين التاريخية بها.
ما هي المكافأة هذه المرة؟
بأي مكافأة يعد كاتبنا الدكتور أبو مطر إذا ما سايرناه في إحيائه لقصة احتلال إيراني لأراض عربية منذ 85 عاما، وليس استيطانا!! مستمرا حتى اليوم؟ وتناسينا – مع صعوبة الأمر- الهجوم اليومي للمشروع الصهيوني على الأرض والإنسان والثقافة العربية، ماذا نتوقع لأشقائنا في الضفة وغزة وللقدس إذا ما شجعنا كاتبنا هو وإسرائيل على ضرب إيران المسلمة، وحسم الاتزان الجيواستراتيجي الإقليمي لصالح إسرائيل لتنفرد بالمنطقة بدون منافسة؟؟!!
إنتبهوا أيها السادة، إن هناك في علم الاستراتيجية مايسمى بالأولويات للعدائيات، وإذا سلمنا جدلا بأن إيران تحتل أرضا عربية منذ مايقرب من قرن مضى، فإن ذلك لا يمثل تهديدا مستمرا ويوميا مثل التوسع الإسرائيلي اليومي في الضفة، والقتل اليومي للشباب العربي في الضفة وغزة، والهدم لبيوت القدس والمزيد من تهويدها، واستمرار احتلالها للجولان السورية وشبعا اللبنانية. ذلك هو حديث العقل دون حكم مسبق على صاحب الدعوة الفلسطيني الأصل، في استعداءه المستمر لنا على الجار التاريخي إيران بسبب خلاف حدودي وتاريخي معه، في توقيت يحاول فيه المشروع الصهيوني التغطية على فشل مجازره في غزة بكل السبل. وأيضا في تزامن واتساق مع التهجم الإسرائيلي علي إيران كجزء من تلك التغطية، وفي تنسيق واضح مع الخلاف بين مصر وحزب الله المحسوب علفى إيران. أو كأن عصابات "الهاجناه" الإيرانية! هي التي شردت كاتبنا وطردته وأهله من وطنه وأرضه في رفح الفلسطينية المحتلة عام 1948. ولعل هجوم كاتبنا على إيران هذه المرة ليس منسقا في توقيت مطابق مع الهجوم المخطط على أحمدي نجاد في مؤتمر الأمم المتحدة ضد العنصرية لمجرد إصراره التذكير بعنصرية إسرائيل وجرائمها التي لم تجف دماءها بعد في غزة، مجرد أمنية!.
الخلاصة: أولوية الخطر الإسرائيلي مقدمة على الخطأ العربي والخلاف الإيراني الخلاصة، وبمنطق جيوبولتيكي محض، فإن الخطر الإسرائيلي وليس غيره، ، والذي هو عضوي في تركيبة مشروع الهيمنة الأمريكي، هو الذي يجب أن يحظى بأولوية اهتماماتنا الاستراتيجية ويجب أن يقع بأعلى قائمة العدائيات القائمة والمستمرة، والجيوبوليتيك هو مفهوم لايعني بحال السلام أو الحرب، وإذا كان لإيران أو تركيا المسلمتين، وكجارتين تاريخيتين موقع في تلك القائمة فبلا شك سيكون متأخرا جدا. وهنا يطرح نفسه سؤال بديهي، لماذا يضع كاتبنا الدكتور أبو مطر إيران في أعلى قائمة العدائيات؟ وهل مجرد البحث اليوتوباوي الساذج عن قيمة العدل في عدم التفريق بين احتلال وآخر يعتبر مبررا لإقصاء واقعية الجيوبوليتيك وبديهيات الاستراتيجية؟ هذا، بغض النظر عن التلفيق الواضح في جرأة يحسد عليها كاتبنا في تسويتة للاحتلال بالاستيطان، وما أبعد الفرق بينهما!.
......................
ملحوظة: الجدول التالي يمثل تحديثا للتحليل الإحصائي لآخر مقالات لكاتبنا الدكتور أبو مطر، والذي يضيف فيه بمقاله الأخيرنقطة أخرى في الهجوم على إيران لتصبح نسبة نصيبها من هجومة 27.3 %، ويظل رصيده في الهجوم على إسرائيل صفرا كبيرا 0 %.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق